RSS

ماذا يعني انتمائي إلي العزبة ؟

12 أكتوبر

العزبة

يُحكى أنّ “عربجوش” كانت مملكة عظيمة على قطعة من الأرض ذات موقع متميز ، وهي أرضٌ خصبة ، كما تحوي في باطنها على كثير من الكنوز والمعادن، فهي كنزٌ حقيقي لمن يمتلكها.

لقد كانت درةً حقيقية ومطمعاً لكل ملك وسلطان أن ينظمها في عقد مملكته أو سلطنته ، وأهل عربجوش مسلمون ومسالمون ، وهي ذات حضارة عظيمة، وتاريخ مجيد ، قبل أن يحتلها بجنوده ملك من ملوك بلاد “الغَربجان” فهو يحلب من خيرها ليلاً ونهاراً.

وظل الحال على ذلك لعشرات السنين حتى حدث أمرٌ غريب ومفاجئ بعد هذه السنين ! لقد بدأ يتنامى وسط أهالي عربجوش شعور بالحنين إلي حريتهم المسلوبة وماضيهم التليد ، وبدأت تمتلئ صدورهم غضباً على هؤلاء المحتلين الغرباء الذين يمصّون دماءهم صباح مساء.

وأدى ذلك إلى ظهور حركات لمقاومة الاحتلال في شتي أنحاء عربجوش ، وقد أخذت هذه الحركات على عاتقها مقاومة المحتل ، فكانت تصطاد عساكر الاحتلال كما يصطادون العصافير ، وأيقن الملك “الغربجاني” حينها أن الاحتلال العسكري لعربجوش لم يعد ممكناً وأصبح باهظ التكاليف.

هنا تفتق ذهن الملك “بريزدنت” آخر ملوك “الغَربجان” عن فكرةٍ شيطانية تضمن له استمرار حلب خيرات “عربجوش” كما تضمن له سلامة جنوده الذين يتساقطون بالمئات في مختلف أنحاء مملكة عربجوش الواسعة ، لقد أصدر الملك المحتل مرسوماً ملكياً وأُطلق عليه مرسوم “سايكوس – بيكوس”.

ويقضي هذا المرسوم بتقسيم مملكة “عربجوش” إلي إقطاعيات صغيرة “عِزَبْ” ، قد أقْطعها الملك المحتّل لوكلائه في “عربجوش” ، لكل وكيل قطعة “عِزْبَة” ، وظيفة الوكيل ـ وإن شئت فقل “ناظر العزبة” ـ هي الحفاظ على العزبة ، وإبقاء العبيد العاملين فيها تحت السيطرة ، وتوريد الغلّة لصاحب العزبة ، مع أخذ نسبةٍ منها لصالح الوكيل والدائرة القريبة من الوكيل ، والتي تساعده علي أكل عرق الفلاحين ، وتحصيل أكبر قدر من غَلّة الأرض للمحتّل ، الذي صار مالكاً للعزبة من وراء ستار.

كما ينص المرسوم أن يتركوا مع كل ناظر عزبة قوة من “الخفر” ؛ لكي تساعده في ضمان حلب المستعمرات لآخر قطرة ، على أن يتم ختم هؤلاء الخفر بالختم “الغَرْبَجَانِي” فيتم تربيتهم في المعاهد العسكرية الغربجانية ، بحيث يكون هؤلاء الخفر ضماناً دائماً من خيانة ناظر العزبة لو لعب الشيطان برأسه وقرر أن يلعب بديله مع الغربجانيين.

وزيادة في الحرص ترك الملك الغربجاني حامية صغيرة في قرية “خسرائيل” على حدود مملكة عربجوش لتكون بمثابة الفتوة الذي يؤدب ناظر العزبة إذا تحالف مع خفر العزبة على أكل مال المحتل صاحب العزبة.

في بلادنا العربية نحن لا نعيش في دول بالمعنى الطبيعي للكلمة ولا حتى يمكن أن نسميها دويلات فهي لا ترقي لهذا المعني ؛ بل نحيا في إقطاعيات صغيرة وإن شئت فقل “عِزَبْ” قد أقطعها المستعمر لوكلائه في المنطقة ، لكل وكيل “عزبة”.

أصل الحكاية بدأت في منتصف القرن الماضي ، حينما دبّ الوهن في أوصال القارة العجوز ، لقد شاخت أوروبا وورثت الولايات المتحدة وروسيا كل المستعمرات الأوروبية في العالم ، وقرروا حينها أن الاحتلال العسكري لكل دول العالم ، لم يعد ممكناً وأصبح باهظ التكاليف.

فلماذا لا يوفرون دماءهم وأموالهم ويوكلون مهمة مصّ دماء المستعمرات وحلب ثرواتها إلى وكلاء محلّيين ـ لكل وكيل عزبة ـ كانت فكرتهم أن يتركوا مع كل ناظر عزبة قوة من “الخفر” ، وإن شئت فقل : “جيش العزبة” لكي تساعده في ضمان حلب المستعمرات لآخر قطرة.

على أن يتم تربية هؤلاء العسكر في المعاهد العسكرية الأمريكية والروسية ، بحيث يكونون دائماً ضماناً من خيانة ناظر العزبة لو “انطّس في نافوخه” وخرج عن الدور المرسوم له من قبل الأمريكان ، وزيادةً في الحرص تركوا إسرائيل في المنطقة فهي بمثابة الفتوة الذي يؤدب الجميع الناظر والخفر ومن يعلو صوته من أهالي العزبة.
هذه هي المعادلة ببساطة ، لقد صدق أخي أنس حسن حين قال إن الدولة القومية هي رجس من عمل الاستعمار ؛ وإن تعجب فاعجب ممن تنتفخ عروقه غضباً من أهالي العزبة المساكين المقهورين ؛ وهو يدافع باستماتة عن ناظر العزبة وخفر العزبة ، ويحاول بأي طريقة أن ينفخ في صورة هذا المسخ : ناظر العزبة مصوراً لنفسه أن هذا المسخ هو رئيس حقيقي لبلد حقيقي ، وأنه هو نفسه مواطن حقيقي ، وليس مجرد “عِزْبَجي”.

، الحدود فعلاً تراب وستنتصر ثورتنا ونمحو هذه الحدود بإذن الله

عبدالرحمن محمد رضا
في 12 أكتوبر 2015

طالع المقال علي موقع ساسة بوست : www.sasapost.com/opinion/homestead

 
أضف تعليق

Posted by في 12 أكتوبر 2015 بوصة مقالات

 

أضف تعليق